فصل: إثبات القضاء والقدر بالنصوص الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (نسخة منقحة مرتبة مفهرسة)



.إثبات القضاء والقدر بالنصوص الشرعية:

س5 قال بأن القضاء والقدر لا دليل لهما في القرآن الكريم؟
ج5 عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأنه كتب في اللوح المحفوظ كل ما سيكون وأن كل ما علمه وكتبه فهو كائن لا محالة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الأنفال: 75] وقال: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيط} [فصلت: 54] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22- 23].
ومن عقيدتهم أيضا أن مشيئة الله تعالى عامة لكل شيء نافذة في كل شيء، وأنه تعالى قدير على كل شيء فله سبحانه القدرة التامة الشاملة، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30] وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 62- 63] وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [البقرة: 20] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كمال علم الله تعالى وإحاطته بكل شيء، وكتابته في كتاب عنده فوق عرشه كل ما هو كائن وإرادته النافذة وقدرته الشاملة، وقد شرحت الأحاديث الصحيحة الصريحة ذلك شرحا واضحا لا شك فيه ولا ارتياب، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (*) إلى أن قال في آخر الحديث: «هذا جبرائيل أتاكم ليعلمكم دينكم» (*)، فمن شك في ذلك أو أنكره فهو مخالف لما دلت عليه نصوص الشريعة الإسلامية خارج عن طريقة أهل السنة والجماعة سائر على طريقة أهل الزيغ والبدع والفجور الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه ويتأولونه بأهوائهم على غير تأويله اتباعا لما تشابه من النصوص دون ردها إلى المحكم من الآيات والأحاديث فصدق فيهم قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7].
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.هل الإنسان مسير أم مخير:

.الإنسان مخير ومسير:

السؤال الثالث من الفتوى رقم (4513):
س3 فهمني بإيجاز عن التسيير والتخيير؟
ج3 الإنسان مخير ومسير، أما كونه مخيرا فلأن الله سبحانه أعطاه عقلا وسمعا وبصرا وإرادة فهو يعرف بذلك الخير من الشر، والنافع من الضار ويختار ما يناسبه، وبذلك تعلقت به التكاليف من الأمر والنهي، واستحق الثواب على طاعة الله ورسوله، والعقاب على معصية الله ورسوله، وأما كونه مسيرا فلأنه لا يخرج بأفعاله وأقواله عن قدر الله ومشيئته، كما قال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} [الحديد: 22] وقال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28- 29] وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] الآية وفي الباب آيات كثيرة وأحاديث صحيحة كلها تدل على ما ذكرنا لمن تأمل الكتاب والسنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.التسيير والتخيير في ضوء الكتاب والسنة:

الفتوى رقم (4657):
س: مضمونه أن نقاشا دار بين جماعتين في أن الإنسان مسير أو مخير ويطلب الإفادة على الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة؟
ج: أولا: ثبت أن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلما، وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير وقد دل على ذلك وما في معناه نصوص الكتاب والسنة، وهي كثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الأنفال: 75] وقوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30] وقوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] وقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} [الحديد: 22] وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] الآية.
ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حث على الذكر به عقب الصلاة من قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (*)، وكذا ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه من سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (*)، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه تعالى بما كان وما هو كائن على تقديره كل شئون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن.
ثانيا: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلا منهم أن يبلغها أمته، وأنه تعالى لم يكلف أحدا إلا وسعه، رحمة منه وفضلا، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع، ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحسانا.
وثبت عقلا وشرعا الفرق بين حركة الصاعد على سلم مثلا والساقط من سطح مثلا، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضا بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعا ولا عقلا أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطرا إليها، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم.
ثم إن الله تعالى حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجئون وعليه مكرهون.
وإذا فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشئون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه سبحانه هو العلي القدير الحكيم الخبير، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال لهم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (*).
روى البخاري من طرق عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار»، فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5- 7] إلى قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] (*)، ورواه أيضا مسلم وأصحاب السنن.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود